توجد أحاديث عن الصبر تذخر بها السُنة النبويّة الشريفة، نستقي منها ما ذُكر عن الصبر من فضل وجزاء وفوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، فهناك ترغيب ملحوظ في الصبر في الشريعة الإسلامية السمحة، ناهيك عن الأدلة النقلية في القرآن الكريم عن أهمية الصبر.
أحاديث عن الصبر
يملأ الله قلب المؤمن بالصبر، ويكون الصبر على البلاء والمحن والصبر على الطاعات، فالمؤمن ما إن صبر استعفف واستغنى، ناهيك عن أنَّ الصبر من الأخلاق الكريمة التي ما إن اعتاد عليها المُسلم اكتسبها طوال الدهر، بالإضافة إلى أنَّ الصبر يجعل المؤمن ينتظر رزق الله تعالى، ويعلمُ أنَّ ما يُعطيه له الله هو الخير الوفير نظير صبره.
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ” (صحيح البخاري).
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ بهَا وهي تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ، واصْبِرِي، فَقالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ خِلْوٌ مِن مُصِيبَتِي، قالَ: فَجَاوَزَهَا ومَضَى، فَمَرَّ بهَا رَجُلٌ فَقالَ: ما قالَ لَكِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَتْ: ما عَرَفْتُهُ؟ قالَ: إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَجَاءَتْ إلى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عليه بَوَّابًا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما عَرَفْتُكَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أوَّلِ صَدْمَةٍ” (صحيح البخاري).
- عن صهيب بن سنان الرومي قال: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له” (صحيح مسلم).
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ” (صحيح الترمذي).
فوائد الصبر
الصبر هو منع النفس عن السخط، والأحاديث عن الصبر كثيرة، وهي ما أثبتت أنَّ للصبر الكثير من الفوائد الجليَّة التي يجنيها المُسلم، والتي تأتي على النحو التالي:
- إنَّ رحمة الله تعالى وبركته ينثرها على قلوب المؤمنين والصابرين.
- الصبر من مظاهر الرجولة الحقيقية.
- في الصبر يجد المؤمن كل الأمن من فزع يوم القيامة الأكبر.
- يجعل الله الصابرين في معيّته وكنفه.
- يُعتبر الصبر سببًا للتمكين في الأرض.
- بالصبر يُجازى المرء الجنة وينجيه الله من النار.
- في الصبر تعزيز لمحبة الله تعالى ومحبة الناس.
- يورث الصبر للنفس هداية وسكينة.
- يُعتبر الصبر دليلًا على حُسن إسلام المرء وكمال إيمانه.
أنواع الصبر
تبيّن من خلال عدة أحاديث عن الصبر أنَّ له أنواع متعددة، نذكر أفضلها وأشهرها على النحو التالي:
أولًا: الصبر على البلاء
من حكمة الله تعالى أنه يضع عباده في ابتلاءات واختبارات إلهية لمعرفة مقدار صبرهم، فيفرق بين العبد الساخط والعاصي والعبد الراضي الشاكر في السراء والضراء. فكلما زاد ابتلاء المرء كان جزاؤه عند الله أكبر، وسبب البلاء ما هو إلا خيرًا طالما كان العبد راضيًا، ليرضيه الله تعالى نظير صبره، بيد أنَّ من يسخط ويجزع ولا يصبر ويكره وقوع القدر يغضب الله عليه ويُجازيه على ذلك.
توجد أحاديث عن الصبر على البلاء في السُنة النبوية، تحث على أهمية الصبر والرضا بالحال ما إن وقع البلاء، وأن يحتسب المؤمن المُبتلى أجره عند الله، ويُعتبر الرضا بالقضاء والقدر مرتبة أعلى من الصبر على البلاء، أي التسليم بقضاء الله تعالى دون جزع في القلب والجوارح.
ثانيًا: الصبر على المعاصي
أي يكون المؤمن مُمسكًا نفسه عن فعل المعاصي، ويُذكر نفسه دومًا بتقوى الله، والآخرة، ويُجاهد نفسه عنها، ويحيد بجوارحه عن كل مُنكر، فلا يتعلق بمعصية ما، ويُعود نفسه على بغضها. فيعلم مقدار قبحها، وأنَّ الله حرمها لسوء عاقبتها، ويخاف الله ويخشاه ويستحي منه، ويستذكر نعمه عليه ويعزّ نفسه ويستعلي بها من أن تُلوث بمعصية، فيقوّي محبة الله في قلبه.
ثالثًا: الصبر على طاعة الله
من أعظم أبواب الصبر، يستلزم من العبد الصدق مع الله ومع نفسه، والمجاهدة على فعل الطاعة، فيُقبل العبد على الطاعات ويستعد لها ويؤديها كما أمره الله تعالى، بحضور تام من قلبه وجوارحه، فيكون خاشعًا لله. ناهيك عن عدم طلبه الرياء أو السمعة أو ما شابه، لتصحّ نيته على الطاعات، ويُخلص عمله لله تعالى، ويرجو ثواب الله على تلك الطاعات ويُجاهد فيها ويعلمُ أنَّ فيها كل الخلاص له في الدنيا والآخرة.
رابعًا: الصبر عند فقد الأحبة
ما الدنيا إلا دارًا للمصائب والشرور، يشوبها الكدر حتى وإن حسنت صورتها، وبالنظر إلى أنَّ الله تعالى وعد الصابرين أجرًا وفضلًا عظيمًا، نرى أنَّ من أنواع الصبر هو ذلك الصبر على فقدان الأحبة، أي الصبر عند الموت، وهو من أعظم المصائب والبلايا في الدنيا. ففي الكثير من الأحاديث النبوية بشارة لمن فقد صفيّه في الدنيا بأنه له الجنة في الآخرة نظير صبره، لعلَّ الله أن يجمعه مع فقيده في دار النعيم، حيث يتجلى فضل الصبر عند فقدان الأحبة والمقربين.
هل للصبر درجات ؟
أمر الله عباده بالصبر، وبما أنه أمرٌ كما تبيّن في عدة أحاديث عن الصبر فهو واجب، فمن يصبر هو من يُعمر قلبه بالاحتساب والطمأنينة فلا يجزع ولا يسخط، ناهيك عن أنَّ الرضا بقضاء الله من السنن المؤكدة. والصبر على المصائب دون التنويح واللطم وغيرها من الأفعال المنهيّ عنها من أهم مراتبه، إلا أنَّ المرتبة العليا منه اعتبار تلك المصيبة التي حلَّت من قُبيل النعم التي يجب أن يشكر العبد ربه عليها.
فيرى في ذلك المرض الذي أصابه والفقر الذي حلَّ عليه تكفيرًا عما اقترف من سيئات، فيحط الله من خطاياه نظير صبره، وبذلك يرضى العبد ويشكر الله ويصبر ويحتسب أجره عند الله. كما أنَّ هناك مرتبة الكمال في الصبر، وهي مرتبة أرباب العزائم، ممن يصبرون ابتغاءً لوجه الله تعالى، فيتبرأ من حوله وقوته، وتلك تُعتبر من أرفع وأفضل مراتب الصبر.
كذلك من الجدير بالذكر أنَّ عبادة الصوم تُربي المؤمن على الصبر، حيث يجتمع فيها أنواع الصبر بين صبر على الطاعة والمعصية والقدر وهو مشقة الصوم، فالصوم يُعتبر نصف الصبر، ومن يصوم لا يصوم فقط عن الطعام والشراب، إنما يكبح نفسه عن كل الشهوات المحببة لها، وهو ما يُعزز من الصبر لديه، ويجعل جزائه عند الله عظيمًا.
أصناف الصابرين
نعلمُ أنَّ للصابرين لهم خير الجزاء في الدنيا والآخرة، والله سُبحانه وتعالى جعل من عباده أصنافًا وفقًا لمقام الصبر لديهم، وجاءت على هذا النحو:
- من يصبرون على طاعة الله وعلى المعاصي، وذلك الصنف هو الأعلى شأنًا ومكانة، وهو حال الصديقين والأولياء والأنبياء، فأرفع الصابرين منزلة عند الله من يصبرون على المحارم ويعملون بالطاعات.
- الصنف الثاني من الصابرين هم من يصبرون على فعل الفرائض، لكنهم لا يصبرون على المعصية، أي يرتكبون الفواحش حتى وإن كانوا يتوبون عنها، إلا أنهم بذلك لا يدخلون في الفضل العظيم للصبر المخوّل لأصحاب المنزلة العليا.
- أما الصنف الثالث فهم من لا تسمو أنفسهم عن الرذائل، فلا يترفعون عنها، ناهيك عن إفراطهم في الفرائض، وعدم صبرهم على الطاعات، وأولئك عليهم التوبة إلى الله.
- الصنف الرابع هم أولئك من لا يصبرون على الطاعات تمامًا لأنهم يتركون الفرائض، ناهيك عن اتباعهم الفواحش، فيُعتبرون من أشر الأصناف، ويتعرضون إلى عذاب الله وسخطه في الآخرة.
أجر الصابرين في الدنيا والآخرة
حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر، ونجد في غير موضع من كتاب الله تعالى أيضًا وعودًا إلهية بجزاء الصابرين، وقد أمر الله عباده بالصبر لأنَّ العاقبة للمتقين، والبشرى كل البشرى للصابرين. فيكون للعبد الكرامة والرحمة في الدنيا والجنة في الآخرة، ما إن كان صابرًا شاكرًا، فيكون صابرًا على الطاعة، وعلى البلاء، وعلى الضنك والفقر والمرض، فذلك من تقواه لله تعالى، والله سيُجازيه عنه خير الجزاء.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية