التنمر من أسوأ الأفعال التي يقوم بها الناس بشكل عام والأطفال بشكل خاص، فربما يتسبب التنمر في إصابة المتعرض له بالاكتئاب وعدم قدرته على التواصل مع الآخرين خوفًا من أن يكون محل سخريتهم؛ المقصود من التنمر هو السخرية على شخص ما بسبب شكله أو لونه أو وجود مشكلة عنده في الكلام مثلاً أو في الاندماج مع الآخرين وعادة ما يأتي التنمر من شخص يكره هذا الإنسان المتنمر عليه.
من خلال السطور القادمة سنحكي بعض القصص عن أثر التنمر وكيف كان التنمر دافعًا للبعض ومحطمًا لآخرين.
قصة ماجد
أنا ماجد عمري الآن 23 سنة، منذ صغري وأنا أعاني من إصابة في قدمي والسبب في ذلك هو حادث أصبت به وأنا طفل رضيع فقد وقعت من ذراع جدتي مما أدى لحدوث مشكلة في قدمي سببت لي عاهة مستديمة، منذ أن دخلت المدرسة الابتدائية وزملائي كانوا يطلقون علي “الأعرج” على الرغم من أنني أسير بشكل طبيعي تقريبًا ولا تظهر هذه العاهة إلا إذا تعمد أي أحد ملاحظتي أثناء السير لأنني أعرج بسيط أي بشكل غير لافت للنظر نهائيًا.
كانت جميع المعلمات يحبونني نظرًا لدماثة أخلاقي وتفوقي في الدراسة والتزامي بجميع التعليمات التي نتلقاها جميعًا في الفصل بشكل خاص وفي المدرسة عامة، أما زملائي الأشقاء الفاشلين فكانوا يحاولون مضايقتي ومناداتي بالأعرج لكي أتشاجر معهم فأصبح مثلهم مشاغب وغير مهذب وبالتالي لن تضطر المعلمات إلى ضربهم وطردهم من الفصل.
لا أستطيع أن أصف لكم حالتي وقتها؛ فكلما ناداني بالأعرج كنت أبكي بشدة وأشعر بالحرج، وذات يوم أعلنت المدرسة عن تكوين فريق لكرة القدم حينما طلبت من مدرسة الألعاب أن ألتحق بالفريق بدأ زملائي يضحكون وقال لي أحدهم أنت أعرج فهل رأيت أعرج يلعب الكرة، فاللاعبين يجرون طوال فترة المباراة ويحاولون التقاط الكرة بقدمهم فكيف تستطيع أن تفعل ذلك وبدأت الضحكات تعلو تركت المكان وأنا أحاول أن أخبئ وجهي المليء بالدموع.
في اليوم التالي فوجئت بمدرسة الأنشطة تستدعيني في المكتبة وطلبت مني كتابة قصص قصيرة تنشر في مجلة الحائط، كنت وقتها في الصف الرابع الابتدائي لكني كنت أهوى الكتابة بشدة إضافة إلى أني كنت نهم في القراءة وقد لاحظت مدرسة اللغة العربية ذلك من درجاتي في التعبير.
كان هذا اليوم علامة فارقة بالنسبة لي وبدأت أشعر أنني إنسان له قيمة وأستطيع عمل شيء أحبه دون أن يتنمر علي أحد ومن يومها إلى هذا اليوم أصبحت كاتبًا للقصص وقد نشر لي العديد من هذه القصص في إحدى المجلات الشهيرة في الوطن العربي.
قصة سلوى
سلوى فتاة سمراء وبالكاد شكلها مقبول لذلك فهي دائمًا منعزلة عن زميلاتها في المدرسة لكن منال الفتاة المتعجرفة شديدة الجمال دائمًا ما تحاول كسر أنف سلوى لشطارتها في دراستها ولأنها محبوبة من الجميع لأدبها والتزامها بمواعيد المدرسة، سلوى فتاة تحب الدراسة ولا يشغلها أي اهتمامات أخرى مثل التعرف على الشباب أو الذهاب إلى السينما في أوقات المدرسة بعكس منال التي لها العديد من الأصدقاء الشباب سواء من المدرسة الإعدادية المجاورة لمدرستها أو على الإنترنت.
وفي أحد الأيام شاهد عماد سلوى وحاول أن يتعرف عليها بكل الطرق وأن يدعوها للتنزه معه لكنها رفضت بشدة مما أثار إعجابه واستمرت محاولات عماد طوال السنة إلى أن حان وقت امتحانات الشهادة الإعدادية تم فصل منال من المدرسة لأنها ضبطت في لجنة الامتحان وهي تخرج من جيبها ورق صغير “برشام” لتغش منه محاولة النجاح إضافة إلى أنها كانت تؤدي الامتحان وهي واضعة على وجهها مساحيق التجميل مما يخالف التقاليد المدرسية فكيف لطالبة في الإعدادية تضع مكياج وترتدي ملابس ضيقة تظهر معالم جسمها.
من هذا اليوم بدأت منال تترصد سلوى فكيف لهذه الفتاة السمراء القبيحة الشكل أن تستكمل دراستها وهي الفائقة الجمال تفصل وتحرم من التعليم لذلك اتفقت مع عماد ووقفا أمام لجنة الامتحان في انتظار خروج سلوى وبمجرد ظهورها أمامهم يحاول عماد أن يسيء إلى سمعتها أمام الطالبات والمعلمات وبذلك تهتز صورتها أمام الجميع وأقنعت عماد بأن البنت تحب الولد المغامر والذي يحاول أن يثبت لها حبه ويفعل المستحيل من أجلها لكن سلوى لم تكترث لهما، وبينما هي ماضية في طريقها استوقفتها منال قائلة: “نفسي أعرف تفعلين هذا وأنت قبيحة الشكل فلو كنت جميلة ماذا كنت ستفعلين؟ إذا كنت مكانك لحمدت الله أن هناك شخص معجب بي بشكلي هذا ولا أتعجرف عليه بهذا الشكل”.
في هذا الوقت قررت سلوى مواجهة منال وقالت لها إن الشكل من صنع الله وأن الله لا يصنع شيئًا قبيحًا، فإن كنت سمراء فالسمار نصف الجمال وكل إنسان جميل في شيء فالجميل في الشكل قبيح في الروح وأحيانًا في الخلق وقبيح الشكل يتسم بجمال الروح والأخلاق وهذا مالا تعرفيه يا صديقتي العزيزة سأدعو الله أن يهديك وتنظرين للأمور بوجهة نظر سليمة.
وفي أحد الأيام شن حريق في منزل منال واحترق وجهها بالكامل مما أدى لهروب حبيبها منها ورفضه الزواج من فتاة مشوهة، ذهبت لسلوى في معمل التحاليل الخاص بها بعد أن تخرجت في كلية العلوم وتزوجت من أحد المعيدين في نفس الكلية وتشاركا معًا لعمل معمل تحاليل على أعلى مستوى وما كان من سلوى إلا أنها تواصلت مع حبيب منال ونصحته بالعودة لمنال مرة أخرى بعد أن قصت عليه ما مرت به وكيف كانت تتنمر منال على شكلها القبيح وقد عاقبها الله على ذلك طالبة منه ألا يفعل ما فعلته منال في لحظات الطيش.
زهرة والتنمر
زهرة فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة ولكن إعاقتها بسيطة جدًا لذلك أصر والديها على إلحاقها بمدرسة عادية من المدارس الحكومية مع الطلبة الأصحاء، كانت زهرة تعاني من ضعف السمع وكانت ترتدي في أذنها سماعة كي تستطيع سماع الآخرين لكن زميلاتها كانوا ينظرون لها وهم يشيرون للسماعة ويضحكون، وذات يوم توجهت زهرة لزميلتها التي كانت تتنمر عليها وضربتها وطرحتها أرضًا وبدأ الشجار بين الطالبتين زهرة ومايا حتى التفت الطالبات عليهما محاولين إنقاذ مايا من يد زهرة.
لاحظت مديرة المدرسة وجود شيء غير عادي في فناء المدرسة وزحام الطالبات في مكان ما يطلقن الصفافير بفيهم وحين توجهت لهم انصرف الجميع وطلبت من المعلمين المرافقين لها إحضار الفتاتين لمكتبها بعد أن عنفتهما أمام زميلاتهما، بكت زهرة وقصت على المديرة كيف كانت مايا تتنمر عليها وعلى السماعة التي تضعها في أذنها لذلك ضربتها لتثأر لنفسها لكن المديرة لم تكترث لما قالته زهرة وأصدرت قرارًا بفصل الطالبتين لمدة أسبوعين وألا يعودان إلى المدرسة مرة أخرى إلا مع حضور أولياء الأمور، لحظتها قررت زهرة عدم استكمال تعليمها في هذه المدرسة وطلبت من والديها نقلها إلى إحدى المدارس الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة حتى لا تتعرض للتنمر مرة أخرى من أحد واستمرت رافضة لاستذكار دروسها لفترة طويلة.
وهذا يعني أن التنمر دمر فتاة في مقتبل عمرها وأصبحت تكره الناس وتخشى من التعامل مع أحد خوفًا من أن تلقى نفس المصير تارة أخرى، لذلك بعد أن لبى والديها رغبتها ونقلت إلى مدرسة أخرى مخصصة لمن يعانون من ضعف السمع وضعف البصر أيضًا كانت منعزلة عن الجميع ولا ترغب في أن يكون لديها صديقات.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية