الظلم عاقبته وخيمة، ونحن ربما نرى الظالم يستمر بظلمه، ولا نرى له رادعا أو عاقبة في عمرنا القصير، وهذا لا يعني نجاة الظالم بظلمه، وربما ينظر الناس إلى المظلوم وهو لا يقدر على رفع الظلم عن نفسه، ويرى الظالم وهو مستمر في ظلمه دون رادع زمنا فيعتقدون أن المظلوم مهزوم والظالم منتصر فتكون فتنتهم فيهما، ويكون الطلب حينئذ من الله أن يرفع الظلم ولا يجعلنا كمظلومين فتنة للناس وابتلاء لهم لما يرونه من هكذا حال، واليقين في النهاية أن الله لا يظلم أحدا وأن عدالته ستتحقق في النهاية مهما طال الزمن، ومهما استمرت المهلة التي قدرها الله.
ومن هنا كانت قصتنا هذه:
رمزي ونهايته المأسوية
كان رمزي ضخم الجسم فارع الطول قوى الجسد وكان صاحب عمل يملك كازينو مشهور في المدينة ويعمل لديه الكثير من العمال.
ورغم أنه كان يعامل من يشتغلون لديه بقسوة تصل إلى حد ضربهم، وقد شوهد مرة وهو يضرب رئيس عماله ضربًا مبرحًا وهو في الثلاثين من عمره ومتزوج ولديه أولاد.
إلا أن ذلك لم يتسبب في ترك أحد من عماله العمل لديه مهما ظلمهم وأساء معاملتهم لعدم وجود فرص للعمل لهم في مكان آخر.
رمزي كان يكسب كثيرًا لأنه مكانه سياحي، وأسعاره غالية، ومع ذلك كان يمتنع عن إعطاء بعض عماله حقهم الشهري إذا ما كانوا سيتركون العمل رغم حاجتهم الشديدة، وقد منع حق أحد عماله راتب شهور كثيرة قد ادخرها عنده لحين عودته لبلده مما دعاه للدعاء عليه.
ومن كثرة الأموال كان يعيش رمزي مترفا، وكان ينفق على أولاده ببذخ و يدلل ابنه سامر كثيرًا حيث أنه أب لسامر وثلاث بنات تعودوا جميعًا على سعة الرزق ورفاهية العيش.
وقد أرسل ابنه سامر للدراسة للعاصمة ليحصل على شهادة عليا من جامعة خاصة ولتكون له مكانة مرموقة في المجتمع يفخر به على أن يرسل له الأموال التي تكفيه وزيادة للتفرغ للعلم والعيش، ولكن ابنه سامر كان يستقبل أموال ابيه ليستعملها في الترف والبذخ والتعرف على الفتيات وأصدقاء السوء، أما الوالد فكانت تصله الأخبار من ابنه أن الحال على ما يرام وأن المذاكرة على أشدها استعدادًا للامتحانات، وكان الأب يسعد لذلك كثيرًا، وبلغت سعادته مداها حينما وصلته الأخبار من ابنه أنه نجح في الصف الأول من كليته في الجامعة. وظل الأمر على ما هو عليه الأبن مستمتع بأموال أبيه في اللهو والعبث على حساب الدراسة والأب سعيد بما يصله من أخبار اجتهاد ابنه في الدراسة ونجاحه المزعوم
وفي يوم من الأيام قرر الأب زيارة ابنه في العاصمة ولتكن مفاجأة له، وحمل معه كل ما لذ وطاب في هذه الزيارة، وحينما وصل وجد ما لم يكن في الحسبان، فقد اكتشف أن ابنه ينفق الأموال على السهرات والحفلات وعلى الساقطات، وأن ابنه قد رسب في العام الماضي وأنه ما زال في الصف الأول في الكلية وأن ما ادعاه أنه نجح وانتقل للصف الثاني كان كذبًا وخداعًا.
فرجع رمزي حزينًا ولم يتحمل الصدمة وأصابه المرض وأصبح طريح الفرش يعاني حتى وافته المنية.
لم يتعظ سامر مما حدث لابيه وأنفق ما لدى أبيه من أموال بل واستدان من خلال حرق سلع وأدوات وتوقيع شيكات مما اضطره لأن يعمل في نفس مجال ابيه لسداد ديونه ولكن ليس كمالك ولكن كعامل وكذلك شقيقاته البنات الثلاث لمكنوا من سداد الديون.
وكان أولاد رمزي حديث الناس المدينة حيث انتقلوا من حياة الترف إلى حياة الشقاء والتعب، ومن النعيم والبذخ إلى الفقر والحاجة والديون، ومن ملاك إلى أجراء.
وكذلك اتضحت لهم العبرة والعظة من النهاية التي انتهى إليها رمزي بسبب ظلمه للناس وأكله أموالهم بالباطل ، فقد مات محسورا ولم ينفع أولاده ما جمعه ، كما لم ينتفع هو أيضًا ، وأنه بالمال الحلال يبارك الله في الولد ، وبالمال الحرام والظلم ينعكس بالسلب على الأولاد ولا ينفعهم ولكن يضرهم ويضطرهم إلى البدء من جديد حيث لم يترك الأب لهم الحلال الذي ينفعهم.
شعبان والقطط
ماهر عاش مستقيمًا في عمله، ومعتدلاً في سلوكه، وقدوة في تعامله، يحب أن يعيش في سلام مع كل شيء من بشر أو حيوان أو حتى النبات يتعامل معه برفق يسقيه ويعتني به
يتذكر ماهر أنه في شبابه حينما كان طالبًا قد التحق بعمل في الإجازة الصيفية فقط بدولة العراق كان ذلك عام 1984م وكانت الحرب مشتعلة بين العراق وإيران والعمل كان بمطعم به الكثير من المصريين، كل العاملين في المطعم حريصون على عملهم حضروا جميعًا من أجل لقمة العيش يوفرونها لأولادهم لا يعنيهم شيئًا آخر، ومن ضمن هؤلاء المصريين شاب اسمه شعبان يعيش وقته وحياته ولا يحسب حساب الرجوع لبلده وكان شقيًا يتعامل بعنف وقسوة في كثير من الأحيان.
وفي يوم من الأيام رأى شعبان أن القطط كثيرة في المطعم فلم ينظر إليها على أنها حيوان جميل أليف قريب من الأنسان، ولكن اعتبر أن وجودها حية بكثرة يجب التعامل معه على أنه مشكلة يجب حلها.
وفي يوم من الأيام فوجئ الموجودون بشعبان وهو يمسك بالقطط الواحدة تلو الأخرى ثم يحفر لهم الحفر فيدفن كل بزونة (كما يسميها أهل العراق) حية.
هذا يحدث وسط تجاهل البعض لفعله واستهجان البعض الآخر، واكتفاء البعض بالمشاهدة وربما التمتع والضحك.
وتذكر ماهر أنه في ليلة هذا اليوم نام في صالة طويلة ينام فيها كثير من العاملين في المطعم، وتذكر أنه رأي وهو نائم خيالات سوداء تمشي في الليل فانتابه الخوف والفزع ولكنه لم يستطع أن يقوم من نومه كلما رءاها.
إنها كانت ليلة صعبة مفزعة بسبب ما رآه، وقرر أن يقص حكاية ما شاهده على وجه الحقيقة أثناء النوم في الصباح لمن معه، وتساءل هل سيصدقني أحد؟ وأجاب على نفسه بأنه لن يصدقني أحد إذا قصصت عليهم ما رأيته، وكيف يصدقونني وهم يعتبرون أن هذا الكلام من باب الخرافات، وكيف يصدقوني وأنا لا أصدق هذا الحديث من غيري إذا قصه علي.
تراجع ماهر عن فكرة إخبار زملائه في العمل، ولما كان الصباح جلس أحدهم مع ماهر وتحدث إليه قائلاً: يا ماهر أريد أن اخبرك بأمر، فقال له ماهر: “ما الأمر “؟ فقال له: ” أنا لم أنم ليلة الأمس ” فرد عليه ماهر متعجبا ومتسائلاً: لماذا لم تنم؟ فقال له صاحبه: ليلة أمس طوال الليل أرى خيالات سوداء تمر على وأنا نائم وكنت أفزع منها فزعًا شديدًا.
وهنا أدرك ماهر وتأكد أن الامر حقيقة، وأن ما رآه كان حقا حيث لم يره وحده، وأن الخيالات السوداء كانت تمر عليه ويراها كما رءاها صاحبه، وأدركا أن هذا الأمر له ارتباط وثيق بما حدث من دفن القطط حية، وأن إيذاء الحيوان أمر عظيم وحدث جلل ما كان ينبغي أن يحدث من شعبان أبدًا، وأن الرفق بالحيوان مطلوب، وأن ايذاءه يستحق العقاب في الدنيا ومن الله يوم القيامة إن لم يغفر الله لمرتكبه إذا تاب واستغفر وتحلل.
ورجع ماهر إلى بلده بعد انتهاء مدة عمله ومرت السنون حتى حدثت للعراق الحبيب الغزو الأمريكي وما تلاه من دخول العصابات الإرهابية والتي كانت تذبح الرهائن أو تحرقهم سواء كانوا أجانب أو عربًا
وفي يوم من الأيام كان ماهر يتابع الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، وتفاجأ بظهور فيديو لإعدام شخص بالذبح من قبل الإرهابيين بحجة أنه خائن عميل يدل على أماكنهم.
تحقق ماهر من صورة الشخص هذا، فإذا هو شعبان وقد بدا عليه الضعف والوهن من كثرة الضرب والتعذيب الذي ناله قبل عملية الإعدام.
حزن ماهر حزنًا شديدًا على شعبان وتمنى له أن يكون قد تاب عما فعله من قبل، وأن موته بهذه الطريقة البشعة في ميزان حسناته وكفارة له، وما زالت تتمثل في ذاكرة ماهر حكايتين: حكاية شعبان مع القطط، وحكاية شعبان مع الإرهابيين، وكان يتأسف للحادثتين.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية