قبل أن نشرع في الإجابة على هذا السؤال تحضرني قصة حدثت معي تبين أنه يجب الترفق بالناس في الفتوى، وخاصة في الفتاوى التي تتعلق بالبيوت، فرب فتوى تعمر بيتا وأخرى تخرب البيوت، ومن البلاغة أن يطابق الكلام حال المتكلم، فما يقال للمتعلم المدرك غير ما يقال للرجل العادي، وإن كان المضمون واحدًا.
في يوم من الأيام ذهبت أنا وزميل لي إلى مشيخة الأزهر بالقاهرة ووصلنا مبكرًا فجلسنا لتناول طعام الإفطار خارج المشيخة، وبينما نحن على ذلك اقترب منا شاب وسيم أنيق يبدو عليه الإرهاق والتعب ، ثم ألقى علينا السلام ، واستأذن بأدب واحترام في الجلوس معنا ، وقال : ” لما وجدتكما أزهريان وظهر لي ذلك من ارتدائكما للزي الأزهري ، شجعني ذلك على الاقتراب والتحدث إليكما ، عندي سؤال مهم أريد أن أطرحه ، لقد بت ليلتي حتى الصباح على هذه المقهى ، ولم أنم ، أعمل دكتورًا بإحدى المستشفيات والحمد لله مستقر في عملي ، ومرتاح ماديًا ، وزوجتي أيضًا خريجة إحدى كليات القمة وتعمل في شركة بمرتب محترم ، وأنا لا أشكو من زوجتي لا في خلق ولا في دين ، ومع ذلك حدث خلاف كبير بيني وبينها ترتب عليه خروجي من البيت ليلا ً، ومبيتي خارجه على هذا المقهى بلا نوم ، وفي حالة نفسية سيئة بسبب هذا الخلاف ، حيث حذرتها أكثر من مرة وأمرتها ألا تضع صورتها الشخصية على صفحتها على الفيسبوك لأن ذلك أدى إلى أن زميلها في العمل وضع إعجاب على الصورة أو علق بمجاملة – على ما أذكر- ، فأمرتها أن تزيلها فلم تستجب ، وكررت الطلب مرات وقلت لها وأنا في حالة غضب شديد : ” إن لم تسمعي كلامي سأقوم باتخاذ إجراء عقابي وتبقي طالق بالثلاثة ” وحينما رجعت من عملي بعد يوم شاق وجدتها قد أبقت على الصورة ولم تقم بإزالتها .
فأيقنت أنه قد وقع الطلاق والفراق بيني بينها بسبب ما قلته، وأنها لم تعد حلا لي، ولا يجوز أقيم معها في نفس الشقة؛ فخرجت ومكثت هنا بالشارع حتى أذهب في الصباح إلى مشيخة الأزهر، وأبحث عن الحل والرأي الصواب فما رأيكم؟
فذهب زميلي له في فتواه إلى القول: ” بأنها مخطئة، وأن الواجب عليها الطاعة، وأن الطلاق وقع ” وذهب للحديث في هذا الاتجاه …
فقاطعته وخاطبت الدكتور قائلاً : ” إنك لم تعب على زوجك في خلق ولا في دين ، وإنها لم تضع صورتها لا سمح الله بداع من سوء الأخلاق ، وأن وضع الشخص لصورته أصبح دارجًا معتادًا ، وأصبح أمرا لا يستحق منك كل هذه الغضب ، وأنت كما يظهر من كلامك تثق فيها وتأمن جانبها ، فهي تخرجت من جامعة وارتطمت بالحياة ، وارتطمت بها الحياة قبل أن تصل أنت إليها ، وربما كان أسلوبك معها أسلوب فرض الوصاية والتهديد الذي لم تقبله مهما كانت العاقبة ، ربما كان هناك بعض الخطأ من جانبك يا أخي ، لم يكن لك أن تخرج من البيت حيث لم تقع الطلقات الثلاث في مجلس واحد وحيث الحكم بعدم سريان حكم الطلاق في حالة ما إذا كان الانسان مغلقًا لا يدري ما يقول من شدة الغضب أو أصيب بحالة من الهياج والجنون ، وأتت أدرى بحالك وقتئذ ، حتى وإن وقع الطلاق فهو طلقة واحدة رجعية وليست بائنة ، اذهب إلى بيتك الان ونم واسترح وأصلح أمورك معها ، وبعد ذلك يكون الحديث والفهم الجيد لما حدث والإجابة على السؤال هل احتسبت طلقة أم لا ؟ ، المهم لابد وأن يكون هذا درسا لك ، ولا تعاود حفاظًا على زوجك وأولادك ، فأنت أكبر من ذلك يا سيادة الطبيب
فرأيته قد تهلل وجهه شيئا فشيئا وشجعني ذلك على التمادي في الحديث، ورأيته استبشر وزال همه وقام بالاتصالات اللازمة وودعنا وذهب مسرعا إلى بيته.
خلاصة القول في حكم طلاق الغضبان
الحقيقة أن الطلاق يقع في حال استحالة العشرة وفي حالة الإصرار عليه، والعزيمة والإرادة لاتخاذ القرار به، أما إن كان الانسان غاضبًا غضبًا شديًا وبلغ به الغضب مداه حتى أنه لا يدرك ما يقول، وخرجت منه ألفاظ الطلاق دون إرادة منه، ودون وعي لما ينطق به فإنه لا يقع، أما إذا كان مدركًا واعيًا لما يقول من ألفاظ الطلاق فإنه حينئذ يقع، وإن كان بين الحالتين السابقتين فإن ذلك فيه خلاف في الوقوع وعدمه
أخيرا أقول: ” لا تغضب حتى لا تندم، أنت رجل تستطيع أن تملك إرادتك مهما كان حجم الاستفزاز ومهما كانت الاستثارة.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية