مما لا شك فيه أصبحت السوشيال ميديا في عصرنا الحالي لمعظم الأفراد بمثابة بيت ثاني لهم، منهم من يحسن استغلالها بمحتوي مفيد يقدمه وأخبار عالمية ووقائع وأحداث تتداول في الكثير من البلدان ويتناولونها، والآخر منهم من يَعرض حياته و مقتنياته الشخصية بغرض التباهي والشهرة والسعي وراء جمع الأموال من هذه المشاهدات حتى لو تطرق البعض إلى عدم الصدق وتصنع الأحداث فأصبحت السوشيال ميديا هوساً بالنسبة لهم يستغلونها، لا يلزم أن تتناسب مع قيم وأخلاقيات المجتمع وقوانينه وحقوق الإنسان به.
ليس فقط للسعي وراء الربح المادي والشهرة بل أخذت منعطف نحو انحدار الأخلاق والآداب والقيم المجتمعية، وأصبحت بدون محتوي واقعي ومفيد متجهة نحو حياة مزيفة، من عرض لأسرار بيوتهم وخصوصيتهم، وأصغر حدث معهم في اليوم يعطونه حجماً و هدفاً للربح، وأصبح الحب والزواج مادة مُتفق عليها لكسب المشاهدات ونيل محبة الناس ونشر مقاطع فيديو يراها الكبار والأطفال، ويحاولون تقليد محتوى مؤذي يملأ أفكارهم بالتراهات بدل العلم والقيم.
التريندات
في الفترة الأخيرة ظهرت بما يسمى “بالتريندات” بأنماط سلوكية غريبة وأفكار شاذة لكسب تعاطف الأفراد مؤديين بذلك لتدني القيمة الإعلامية وتعليم الأجيال التفاهات والسعي لتقليدهم، فأصبح بعض الشباب يأخذون أي متجه ليس له معنى أو مقطع فيديو تعاطفي غير حقيقي أو عرض الزوجة والابن والبنت لمقالب ومخاوف قد تنهي حياتهم نتيجة السطحية وعدم الوعي والسعي وراء الأموال التي جعلوها ما بين هاجس لهم وعدم خصوصية لغيرهم.
اتجه الأمر أيضًا إلى التلصص والتشهير بالغير متجنباً كل معاني الخصوصية للأفراد، حيث اشتهر في الأواني الأخيرة الابتزاز علنا واستحلال حياة الأفراد دون الأخذ بالقيم والمبادئ لما يعتقده هؤلاء الأفراد من صوابهم.
وقبل أسابيع ليست بقليلة اشتهر مقطع فيديو لسائحة أجنبية في إحدى شُرف شقتها المستأجرة بملابس البحر قام بتصويرها شخص من على مسافة ليست بقليلة بينهم، أخذ الأفراد يتناولون المقطع غير أبهين بمعاني الخصوصية واحترام مشاهدي منصات الإجتماعي، وفيديو أخر يظهر معلمة مارست فن الرقص في رحلة نيلية، تسربت مقاطعها على السوشيال ميديا مما أثر ذلك على حياتها الزوجية، كذلك المعلمة وتعرضها للمساءلة والتحقيق معها، حيث استحل من قام بنشر الفيديو خصوصيتها ضارباً بعرض الحائط مصير هذا على حياتها.
أيضًا انتحرت طالبة بالثانوية الأزهرية بعدما تداول شباب من قريتها صوراً مخلة بالآداب مفبركة، أخذت الفتاة تبرئ نفسها بشتى الطرق، لكن تم خذلها من أقاربها إلى أفراد قريتها فقررت إنهاء حياتها فاقدة كل معاني الاحتواء، حيث استغل شابان التكنولوجيا في ابتزاز فتاة صغيرة طمعاً في إقامة علاقة معها دون الاعتراض.
وكل تلك الأحداث نتائجها حقيقية منهم من خسر بيته وزوجه وعمله ومنهم من قرر إنهاء حياته ومنهم من دفع غرامات مالية لإخلاء سبيله، للأسف النتائج مختلفة لكن الوقائع تكاد تكون متشابهة في تفاصيلها في استخدام التكنولوجيا والسوشيال ميديا في الابتزاز وانتهاك خصوصية الغير والمعلنة بها وأخذ الحق في ذلك.
ومن المؤكد أن أشخاص كذلك لن يتم إصلاحهم عقاب واحد أو اثنين أو ثلاثة منهم، من المؤكد أنه يوجد أشخاص بالفعل يقومون بالابتزاز والترصد حتى يحين فرصة نشرها وترويجها، وترتبط هنا المشكلة بواقع أليم بالبعد عن القيم الاجتماعية والأخلاقية، يبدأ دورها من الأسرة واحتواءها والتربية السليمة إلى السلوك والقيم الشخصية، لا سيما بأن اشتهرت في الأواني الأخيرة خطابات استحالت سقوط خصوصية البعض وقبول التشهير واستحلال حياة المخالفين لما يعتقده هؤلاء الأوصياء من صوابهم وأحقيتهم.
في الوقائع الثلاثة تتحمل الأسرة جناية كبرى هي الأخرى بقدر ما يقع على عاتق منصات التواصل في المشاركة في نشر تلك الانحرافات ومسئوليتهم في تطور هذه الوقائع ففي حالة الطفلة بقدر ماعنت من الضغوط والآلام الخارجية، تحملت أيضاً نظرة الأسرة والأهل والأصدقاء والمجتمع المحيط، مما ضاعف تأثير الافتراء عليها وابتزازها وعمق لديها شعور الوحدة وعدم الاحتواء وصولاً بالانتحار.
وقائع كثيرة أهلكت حياة أفرادها، منهم من تطرق إلى الموت أو التفكير به و الأخر مكث في حجرة مظلمة منتظر المساءلة القانونية مثل الوقائع الثلاثة التالية.
نبات البرسيم في إحدى عربات مترو الأنفاق!
واقعة أخري فيها ضبطت أجهزة الأمن المصرية شاب في مقتبل العشرينات يجول في إحدى عربات مترو الأنفاق يقوم ببيع “نبات البرسيم”، قام الشاب بتصوير مقطع فيديو له ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي مما أدى إلى قيام أجهزة الأمن بالقبض عليه حيث أقر بأنه لغرض اللهو والمرح، تم الأخذ بالإجراءات القانونية عِبْرَةٌ لمن تسول له نفسه الاستهتار بوسائل المواصلات العامة وأخذها كمقر للهزار السخيف ومشاغلة الأفراد بالترهات ومما تؤدي إليه من تعطيل سير العامة.
ادعاء السرطان لكسب المال!
محمد قمصان شاب مصري أعلن في مقطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي محاربته لمرض السرطان في السنين الأربع الماضية، موضحاً معاناته الشديدة وأنه على حافة الموت وليس بجانبه أحد دون والدته المسنة. استغل محمد متصفحي السوشيال ميديا ورجائه لهم بمساعدته مادياً، لكن ظهر بعض أصدقائه وقاموا بتكذيبه وأنه سليم معافي مما أدى إلى شن هجوم من قبل رواد السوشيال ميديا وصفحات داعمي مرضى السرطان عليه وذلك بعد إثبات أكاذيبه وتأكيد المقربين منه وتم الإبلاغ عنها ليتم إتخاذ الإجراءات القانونية لردع كل من تسول له نفسه بسوء إستخدام منصات التواصل الاجتماعي لخداع الناس وكسب تعاطفهم وجمع الأموال.
أيلين وحقوق الإنسان.
أحمد حسن وزينب يوتيوبرز مصري وابنتهم أيلين،حيث حُمل على صفحتهم الشخصية مقطع فيديو لهم يقومون بمقلب في ابنتهم الصغيرة التي تبلغ من العمر سنتين، عن طريق تخويفها بدهان أسود على الوجه لتحقيق المشاهدات وكسب الأموال، اتخذت حقوق الإنسان موقفاً و تمت الدعوى القضائية عليهم بتهمة ترويع طفلتهم، وأعلن النائب العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة باستمرار متابعة حالة الطفلة أيلين وإخلاء سبيلهم بكفالة قدرها 40 ألف جنيهاً مصري.
لا أنكر الواقع الأليم الذي أصبحنا نعيشه من هذه الأحداث، لكن ينبغي نشر الخطابات التي تعيد بناء القيم واندثار هؤلاء الأفراد عديمي الشخصية والقيم ممن يقومون بالابتزاز والترصد ونشر ترهات لا فائدة منها للأشخاص بواقع الكسب أو بواقع الابتزاز، لا أنكر كذلك دور السوشيال ميديا في جوانب معينة لها فائدة، لكن أنها بالفعل سلاح ذو حدين.
قد يعجبك أيضًا:
- كيف تتعلم ضبط النفس في المواقف الصعبة وتكون حازماً ؟
- بين فوائد وخطورة منصات التواصل الاجتماعي على الأفراد
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية