ما هو الاغتراب النفسي الاجتماعي وأسبابة وكيف تعالج نفسك ؟

هل شعرت يومًا بأن هذا العالم غريب عنك؟ هل  شعرت يومًا  أن دراستك وعملك لا يعبران عنك ولا يمثلاك بأي شكل؟ أنت فقط مُجبر علي قبول أشياء والقيام بأعمال في الغالب لم يكن لديك فرصة اختيارها! إذا شعرت يومًا بواحد أو أكثر من هذه الأشياء فأنت تعاني من الاغتراب، فما هو الاغتراب النفسي ؟

ما هو الاغتراب النفسي؟ وما بدايات اكتشافه ؟

المفكر الالماني “كارل ماركس” من أوائل المفكرين الذين تحدثوا عن مفهوم الاغتراب لينتقد النظام الرأسمالي والمعاناة التي يتعرض لها العمال في هذا النظام. حيث يقول “كارل ماركس” عن الاغتراب عندما تعمل في وظيفة ما فأنت تبيع ساعات من عمرك مقابل ثمن زهيد دون أن تستفيد من نتاج عملك علي عكس صاحب العمل الذي يجني الكثير من الأرباح بسبب عدد الساعات التي تقضيها في عملك وهذا هو الاغتراب..

الاغتراب هو شعورك بأن ما تقوم به في عملك ليس له علاقك بشخصيتك ولا أفكارك ولا الدخل المادي لك. وعندما تعمل موظف في شركة فأنت تبيع عدد من ساعات يومك مقابل عائد مادي زهيد كأي سلعة في السوق تشتريها دون أن يكون لك أي دخل في اختيار مكوناتها أو ورقة غلافها الخارجي أو ثمنها

كذلك أنت فأنت لا تستطيع أن تستفيد من عقلك ومهاراتك وإبداعك لتنتج شئ يعبر عنك، تنتج شئ له معني بالنسبة لك بل أنت تبيع ساعات عملك مقابل ثمن زهيد لتنتج شئ (منتج/خدمة) لا تعبر عنك ولا تأخد منها العائد المادي المُرضي لك والمستفيد الوحيد من نتاج عملك هو صاحب العمل الذي يجني أرباحاً هائلة كنتيجة عملك ومجهودك.

كما أن نتاج عملك لا تستفيد منه ولا يمكنك أن تشتريه لأن ثمنه في الغالب يكون باهظ أكبر من قدرتك المادية، كما أنه لا يُعبر عنك فأنت غير مسموح لك أن تبدي رأيك فيه ولا في شكله ولا ثمن بيعه أو المكونات الداخلة في تصنيعه أو الدول التي يُصدر إليها، فأنت فقط تعمل وفق أوامر مديرك لتنتج شئ لا يعبر عنك مقابل ثمن زهيد لهذا تشعر أن عملك غريبا عنك فتعاني من الاغتراب .

أنواع الاغتراب من وجه نظر كارل ماركس  :

وقد قسم المفكر الألماني كارل ماركس الاغتراب إلي ٤ أنواع :

1. الاغتراب عن الشئ الذي تنتجه: الاغتراب عن الشئ الذي تنتجه سواء منتج/خدمة لأن صاحب العمل يُدخل عدد ساعات عملك ويُخرج عنها المنتج النهائي  الذي يجني عنه صاحب العمل أرباح كثيرة. وهذا المنتج يمكن أن يكون شئ ملموس مثل سيارة/بيت أو شئ غير ملموس (خدمة/حملة إعلامية ) وهذا المنتج لا يعبر عنك وليس له علاقة بك ولا يمثلك فأنت لم تختاره او تختار شكله أو مكوناته ولكنه يمثل صاحب العمل، فأنت حتي غالباً لا يمكنك أن تشتريه بسبب ثمنه الباهظ.
2. الاغتراب عن عملية الانتاج نفسها: فأنت تبيع عدد ساعات من يومك لصاحب العمل والذي تقوم به خلال ساعات عملك لا يعبر عن رغباتك واحتياجاتك وطموحاتك واحلامك وليس له علاقك بك، فأنت في النهاية تعمل لصالح صاحب العمل لتتقاضي مرتبك الشهري، حتي وإن كنت تحب عملك فأنت مختلف ورائع ولكن في النهاية أنت في عملك مُجبر علي أداء عمل غريب عنك، ولا يعبر عنك لم تكن لتقوم به لولا احتياجك للعمل لذلك تشعر بأن العمل وعملية الإنتاج كلها غريبة عنك.
3. الاغتراب النفسي : النفس تحب أن تقوم بما يعبر عنها وعن أفكارها ومهاراتها وإحساسها وطموحها وأحلامها، وهذا الفعل هو الذي يجعل لأيامنا معني ويشعرنا بذواتنا ويُذكرنا أنها ملك لنا، يُشعرنا بالحرية والانطلاق، وعندما لا يحدث ذلك، وعندما لا تفعل ما تحبه فهو قمة الاغتراب النفسي والذي يؤثر عليك وعلي حياتك بشكل كبير ويسبب الاكتئاب ويُشعرك أن حياتك لا معني لها.
4. الاغتراب عن زملائك في العمل : الطبيعي أن يكون الإنسان متعاون ورحيم مع غيره من البشر ولكن في العمل فليس الأمر بهذه السهولة! في العمل تجد زملاء العمل يتنافسون من أجل ترقية، يصنعون المكائد لتشويه صورة الآخرين أمام صاحب العمل للحصول علي ترقية أو كسب رضا صاحب العمل علي حساب الآخرين والبعض يرتكبون أخطاء فادحة ثم ينسبونها بالكذب والخداع لزملائهم مما يسبب ضرر لهم وكل هذه المشاحنات تكون في صالح صاحب العمل، فهو يريد دائماً أن لا تكون أنت وزملائك علي وفاق لأن في الاتحاد قوة واتحادكم ضده يمكن أن يجعله يتنازل عن بعض سياساته الخاطئة التي يمارسها معكم.. والعجيب أنه بدلاً من أن نكون متعاونون ورحماء ببعضنا البعض في مكان العمل نصنع لبعضنا المكائد للحصول علي ترقية أو كسب رضا صاحب العمل.

ظهور مفهوم الاغتراب النفسي الاجتماعي :

كما ذكرنا أن الاغتراب هو مفهوم ابتكره كارل ماركس وأطلق عليه “نظرية الاغتراب” وكانت تصف المعاناة التي يعيشها العامل في النظام الرأسمالي وينتقد النظام الرأسمالي نفسه خلال ذلك.

وفي عام ١٩٥٩ م قدم عالم الاجتماع “ملفين زيمان” بحث عن تعريف الاغتراب الاجتماعي. وبدلًا من أن يظل مفهوم الاغتراب مرتبط فقط بالعمال والنظام الرأسمالي كما شرح “كارل ماركس” بدأ “ملفين زيمان” بتوسيع مفهوم الاغتراب ليشمل المجتمع ككل واسماه مفهوم الاغتراب النفسي الاجتماعي.

ما معني الاغتراب النفسي الاجتماعي :

قام ملفين زيمان بتعريف الاغتراب النفسي الاجتماعي علي أنه انسحاب الشخص من البيئة التي يعيش فيها والابتعاد عن أصدقائه وأحبابه وعدم الاهتمام بهم ولا بمشاعرهم ولا بمشاكلهم والشعور بالضيق من المجتمع ككل، وهذه الحالة هي ناتح عوامل اجتماعية ونفسية وبالتالي تؤثر علي صحة الإنسان العامة.

فهناك أمراض تسمي “الأمراض النفس جسمية” وهي أمراض تصيب الإنسان بسبب الأزمات النفسية التي مر بها خلال حياته مثل الحزن علي فراق شخص أو موت عزيز أو فقد وظيفة والذي يصل غالباً إلي الاكتئاب.

الألم النفسي الذي يشعر به الإنسان عند الحزن أو الاكتئاب مثلا لا يستطيع التعبير عن نفسه مباشرة وإنما يعبر عن نفسه من خلال الألم العضوي، فاحياناً عندما تمر بأزمة نفسية كبيرة يبحث الجسم عن أضعف عضو في جسدك ويجعله يؤلمك ليعبر عن نفسه من خلاله لذلك تجد بعض الأشخاص عندما يحدث شئ مفاجئ يصيبهم بالتوتر يشعرون بألم في القولون أو البطن فمثلاً كثير من الطلاب في وقت الامتحان يشعرون بألم في بطونهم لأنهم متوترون.

بعض الاشخاص حينما يحزنون علي شئ ما يشعرون بألم في القلب ويطلق عليهم أصحاب القلوب المنكسرة. وهنا وضع زيمان صفات للاغتراب (الشخص الذي يعاني من الاغتراب)، فما هي ؟:

سمات الاغتراب النفسي :

• الانعزال عن الأهل و الأصدقاء والمجتمع ككل 
• الشعور بالضعف 
• شعور الإنسان بأنه لا شئ وبأنه لا قيمة له في هذه الحياة 
• الاغتراب عن الذات 

وهناك أعراض للاغتراب النفسي إذا ظهرت عليك فأنت حتما تعاني من الاغتراب النفسي، فما هي هذه الأعراض؟

أعراض الاغتراب النفسي الاجتماعي :

• شعور الإنسان بالرغبة في الابتعاد عن التجمعات والمحادثات سواء عائلية أو عامة.
• ابتعاد الإنسان عن الدخول في أي مناقشات أو جدال مع أي شخص آخر 
• عدم الاهتمام بالأحداث التي تدور حوله.
• الشعور بعدم القدرة علي القيام بأي شئ 
• الشعور بالعجز عن احتواء مشاعره أو احتواء مشاعر الآخرين ومشاكلهم.
• الشعور باللاشئ أي شعور الإنسان بأنه لا معني له ولا قيمة للعالم من وجه نظره 
• الشعور بأن كل شئ حولك غريب عنك 
• الشعور بأن لا شئ يعبر عنك لا اصدقائك ولا عملك ولا دراستك لأنك لم تختار شئ منه بكامل إرادتك فأصدقائك تشعر بأن لا أحد منهم يفهمك، ودراستك حددها فقط مجموعك وتحصيلك الدراسي وعملك ربما لأنه هو العمل المناسب أو المتاح، ولولا هذه العوامل التي حددت كل شئ في حياتك لما كنت في هذا العمل أو تلك الدراسة .
• الشعور بالضيق عند التحدث مع الآخرين حتي أقرب الناس إليك زوجتك، والديك، أبناؤك، أصدقاءك المقربين، وتشعر أيضًا بالنفور منهم بدون أسباب .
• الشعور بالخوف وعدم الأمان عن التعامل مع من حولك.
• التمرد علي أي قواعد أو أوامر وعدم الالتزام بها. 
• الشعور بالحزن واليأس من الحياة 
• الإصابة بالاكتئاب وما يترتب عليه من أعراض جسدية مثل ضعف المناعة والتعب من أقل مجهود والنوم الكثير أو الأرق المستمر قلة تناول الطعام أو الإفراط منه والتقليل من الذات وعدم تقديرها .

أسباب الاغتراب النفسي الاجتماعي :

1. أسباب نفسية: أحياناً يحدث الاغتراب نتيجة الإصابة بأحد الأمراض النفسية، ومن هذه الامراض التي تسبب الاغتراب الانفصام والوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة 
2. أسباب اجتماعية : وتحدث نتيجة أسباب كثيرة ففي حالة انفصال الوالدين يعاني الأبناء من شعور الاغتراب التي يؤثر علي حالتهم النفسية ويصيبهم بالحزن التي يصل إلي الاكتئاب. أو عند الانتقال من مجتمع إلي مجتمع آخر أو من بيئة إلي بيئة أخري أو من ثقافة إلي ثقافة أخري ويحدث هذا للأشخاص الذين يضطرون إلي ترك موطنهم الأصلي والانتقال إلي مكان أخر للعيش مثل الاشخاص الذين يسافرون للعمل في دولة أجنبية مختلفة تماماً عن دولنا العربية وثقافتها وعاداتها وتقاليدها فيشعر الإنسان حينئذ بالاغتراب وعدم الأمان.
3. أسباب لها علاقة بالعمل نفسه : كما ذكر “كارل ماركس” في نظرية الاغتراب أن العامل يكون منفصل عن منتجه فهذا المنتج يعتبر غريب عنه فهو لم يختار شكله أو مكوناته أو طريقة تصنيعه و أحياناً لا يستطيع شراؤه لأنه باهظ الثمن هو فقط يبيع ساعات عمله مقابل ثمن زهيد لينتج في النهاية منتج لا يستفيد منه ولا يجني منه أي أرباح وإنما صاحب العمل هو فقط الذي يجني الارباح من خلال المنتج .

التعرض للتنمر يؤدي إلي الشعور بالاغتراب وهناك حالات كثير في الواقع تشرح ذلك مثل :

تنمر بعض الأطفال في المدرسة علي بعض زملائهم بسبب ملابسهم العادية أو طريقة كلامهم أو بسبب المنطقة التي يعيشون فيها أو لأنهم لا يمتلكون أجهزة تكنولوجية حديثة مثل زملائهم ويؤدي ذلك إلي انقطاع الكثير من الأطفال عن الدراسة وشعورهم بعدم الثقة بالنفس والانتحار

تنمر بعض الأشخاص علي آخرين معهم في العمل أو في الشارع بسبب مستواهم الاجتماعي المنخفض أو ضعف كفاءتهم في العمل وينتج عن ذلك كثير من حالات الانتحار أو الانقطاع عن العمل

ما هو علاج الاضطراب النفسي الاجتماعي :

علاج الاضطراب النفسي الاجتماعي يعتمد علي شقين :

أولًا : العلاج بالجلسات النفسية والمتابعة مع مختص 

ثانيا : علاج أسباب شعور الشخص بالاغتراب  فمثلا :

إذا كان طفلك يتعرض للتنمر من زملائه في المدرسة فيجب عليك أن تتوجه فوراً إلى الأخصائي الاجتماعي المسؤول بالمدرسة أو مدير المدرسة نفسه لإيجاد حل أو اتخاذ إجراء مناسب ثم توجه بطلفلك إلي أخصائي نفسي حتي يعالج آثار هذا التنمر.

إذا كنت تعمل في وظيفة لا تحبها، حاول أن تبحث عن وظيفة أخري تستخدم بها مهاراتك وإبداعك وإذا كنت مُجبر علي العمل بها ولا يوجد بديل حاول أن تفكر في أشياء جيدة تجدها في عملك لتجعلك تستمر وتخفف من شعور الاغتراب والضغط النفسي لديك فمثلا تذكر أصدقاءك الجيدين في العمل الذين تسعد بوجودهم معك

إذا سافرت يومًا إلي دولة أجنبية لا تعرف فيها أحد، مختلفة تماماً عن ثقافتك العربية ابحث عن أشخاص يشبهونك ومن نفس ثقافتك سواء علي أرض الواقع أو في الواقع الافتراضي فيسبوك.

لقد ذكرت فقط بعض الأمثلة عن أسباب الاغتراب وعلاجها، إذا بحثت حولك ستجد الكثير والكثير. وبعد قرءاتك لهذا المقال ما هو نوع الاغتراب الذي تعاني منه وما سببه؟

قد يٌعجبك أيضًا:

• ما هي الكاريزما ؟ .. وكيف تكتسب سمات الشخصية الكارزمية ؟
• أكثر وظائف تهديدا في المستقبل والمتوقع بزوالها !
• تعرف أصل قصة مقولة “ القشة التي قصمت ظهر البعير ” !