ما هو النضج الفكري ؟ وكيف تعرف أنك وصلت للنضج العقلي ؟ أسئلة في غاية الأهمية يتم طرحها على النفس لتقييم الذات تبعًا للطريقة المعتمد عليها في التفكير والادراك في مختلف نواحي الحياة، وما هي الأمور التي تخبرك بأنك قد وصلت إلى تلك المرحلة من النضوج الفكري والوعي التام، هذا ما سوف نتطرق إليه بشيء من التفصيل في مقال اليوم.
ما هو النضج الفكري ؟
هو امتلاك الشخص لنضج عقلي كافي ووظائف فكرية سليمه، تمنحه القدرة والمهارة على التفكير بعمق والتكيف مع البيئة المحيطة به، كما أن النضوج الفكري يتعلق بإدراك قيمة وأهمية عامل الوقت وأيضًا المكان الملائم لأي تصرف يمكن أن يصدر عن الشخص.
النضوج الفكري يمنح الشخص القدرة على تحمل المسئولية دون الاعتماد على غيره من الآخرين، ويعي جيدًا ما هو الغرض من تلك الحياة التي نعيشها، وكيفية الاستقلال في تلك الحياة، وعدم اللجوء لاتخاذ القرار بمساعدة أي شخص، بل بالاعتماد الكلي على النفس.
مراحل النضج الفكري المختلفة
من خلال ما قاله علماء النفس عن النضوج الفكري، أنه يتكون من مرحلتين كلا منهما تتعلق بسنوات العمر وهما مرحلة العقل الطفولي، ومرحلة النضج الفكري، فإن العقل البشري بطبعه يشهد دورة كاملة في الحياة بشكل لا يختلف كثيرًا عن تلك الدورة التي يشهدها الجسم، إلى أن يصل لأرذل العمر وينتهي بالشيخوخة، ويموت على الرغم من أن الجسد ما زال على قيد الحياة.
حيث نجد أن الكثير من الأشخاص يعيشون من سنوات العمر الكثير ولكن عقله لم يكتمل بعد، فما زال تفكيره سطحي بشكل كبير لا يستطيع الحكم على الأمور وعدم الاعتماد على الغير، بما يمثل ما يعرف بالجمود الفكري، يتسم بالتسرع وعدم الاتزان، فهو شخص ساذج إلى أبعد الحدود لديه اهتمامات تافهة، يمتلك من سلوكيات البشر أكثرها رعونة وسخافة بشكل سطحي.
على النقيض هناك بعض الأشخاص من الشباب اللذين لم يعيشوا الكثير من سنوات العمر، ولكنهم يحملون عقلًا ذهبيًا، فريد من نوعه يستطيع التعامل مع الأمور بعمق وواقعية، وبحكمة ليس لها مثيل، لم تصدر من شخص طاعن في السن، تجده شخص متزن عاقل يسمو بأفكاره مستقل بذاته، يمكنك أن تحصل منه على حكمة وموعظة لا يمكنك الحصول عليها من الأشخاص البالغين من العمر الكثير وكأنهم لم يتعلموا شيئًا في تلك الحياة الطويلة.
طرق الوصول إلى النضج الفكري
هناك مجموعة لا بأس بها من الطرق التي تعد أقصر الطرق لتنمية النضوج الفكري والوصول إليه، منها ما يلي:
- الاستفادة من التجارب الحياتية التي يمر بها الشخص والمحيطين من حوله، مما يعمل على تنمية المهارات الفكرية لدي الشخص بشكل كبير.
- التأني في إطلاق الحكم على الآخرين قبل دراسة الأمر بنوع من الحكمة والهدوء، والرجوع للأدلة التي تثبت براءته أو العكس.
- مواجهة الصعوبات ببراعة وتحدي، مع الصمود أما المواقف الصعبة، مع الحرص على وضع خطط مستقبلية واضحة الأهداف لتحقيق الأمنيات.
- الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها بروح الاقدام والشجاعة، مع الاحترام الكامل لحرية الأطراف الأخرى والاستماع إليهم جيدًا.
- التعمق في القراءة والاطلاع، مما يعمل على توسعة المدارك وتنمية الوعي بمعايير وأسس علمية سليمة تساعد على النضوج الفكري.
- لابد من تحرير الفكر من التفاهات الدنيوية، حيث أن التنمية الفكرية هي مسئولية الفرد نحو نفسه، من الضروري أن يسعى إليها.
- تحلى بالجرأة والشجاعة في الاطلاع والاكتشاف، حتى تشعر بلذة الحياة العميقة وليس مجرد السطح الذي لا يحمل إلا القليل.
- تحرر من الأفكار الطفولية، حيث أن الحياة زاخرة بما يمكن اكتشافه والاستمتاع به، بعيدًا عن التفاهات والسخافات التي هي مضيعة للوقت.
من الجدير بالذكر أن الوصول إلى مرحلة النضج الفكري أمر ليس بسهل، فهو مرحلة راقية عندما تصل إليها تشعر بحالة من الانفراد والعزلة عن عالمك المحيط، كل ما يشغلك في تلك المرحلة هو تثبيت أقدامك على الأرض الصلبة، وإطلاق العنان لأفكارك كي تصل بك إلى بر الأمان والاستمتاع بجمال الحياة في أروع مراحلها.
ما هي أبرز علامات النضج الفكري ؟
لا شك أن النضج الفكري يتضح في العديد من العلامات التي يمكن من خلالها تقييم الشخص بأنه ناضج فكريًا، على الرغم من أنه ليس من الضروري تجمع كافة العلامات في نفس الشخص، إلا أن البعض منها يكفي ليكون دليل واضح لاكتمال النضج الفكري لدي الشخص، ومنها ما يلي:
- التطور حيث أن الشخص الذي ينظر الأخطاء الناجمة عنه وأخطاء الآخرين أنها دروسًا مستفادة في الحياة، يمكنه أن يطور من نفسه ومن المهارات الشخصية له وألا يقع في الخطأ مرتين.
- التعلم من الخطأ بعد الاعتراف به، حيث أن الاعتراف فقط لا يكفي بل التعمق في هذا الخطأ ومعرفة الأسباب التي أدت إليه من أقصر الطرق للوصول لحلول جذرية للتصدي له والتخلص منه.
- أما الاعتراف بالخطأ ذاته فهو من أهم علامات النضج الفكري لدي الأشخاص، هذا ما يساعده على التعرف على السلبيات والابتعاد عنها.
- الاطلاع الدائم فمن الواضح أن النضج الفكري يرتبط ارتباط وثيق بالبحث العلمي وتنمية مهارات التعلم لدي الفرد، زيادة المعرفة تزيد من النضوج الفكري.
- علامة أخرى من العلامات الهامة وهي تحمل المسئولية، واتخاذ القرار الصائب تجاه نفسه افراد أسرته، مما يزيد شعورهم معه بالأمان.
- الاتزان ما بين العقل والعواطف أمر لا يتحقق سوى بالنضج الفكري، حيث أنه يساعد الفرد على السيطرة على عواطفه والتحكم في مشاعره بطريقة سهلة.
- التواضع، فمن يعاني من التكبر هو شخص لديه نقص حاد يحاول تكملته من خلال التكبر، أما من نضج فكريًا فلا يحتاج لمثل تلك التصرفات ويصبح غاية في التواضع.
- محبة المحيطين بشكل مبالغ فيه، والقدرة على مساعدتهم والاستماع إليهم، والشعور بما يعانون به من مشكلات وآلام، يستطيع امتصاص غضب من أمامه.
- يمكنه التعامل مع أي شخص في أي مكان، فهو حقًا ناضج فكريًا، يمكنه استيعاب الجميع والتعامل معهم بمرونة، يعطي الفرص مرارًا وتكرارًا للمخطئين كي يعدلون من نفسهم.
- السيطرة على الغيرة من خلال عدم عقد أي مقارنات بينه وبين الآخرين، ولكن يتمتع بثقة كافية تخلصه من سلبيات الغيرة.
- عدم الثرثرة وكثرة الكلام فيما لا يفيد، فإن الهدوء سمة من أبرز سماته، مستمع جيد لا يرغب في الحديث كثيرًا، يحاول فقط استغلال الوقت في اكتشاف أنسب الطرق التي تمكنه من التعامل بحكمة مع الآخرين.
- اتخاذ القرار الصائب أبرز علامات النضج الفكري، عادة ما يشعر الأشخاص بصعوبة بالغة في اتخاذ القرار السليم في بعض الأمور، ولكن من يستطيع الوصول لتلك المرحلة فهو ناضج فكريًا ويمكن الاعتماد عليه، لهدوءه وقدرته على الإحاطة بكافة جوانب الأمر ويستطيع من خلال ذلك الحكم عليه بالشكل الذي يليق به.
بعض العلامات الأخرى للنضج الفكري لدي الأشخاص
لا شك أن النضوج الفكري ليس بالأمر الذي يمكن أن يستهان به، حيث أنه امر في غاية الأهمية تتشكل شخصية الفرد ويصبح نافع لنفسه ومجتمعه من خلال وصوله لمرحلة النضج الفكري الذي لا يأتي من فراغ، ومن أكثر العلامات الأخرى التي تدل على أن الشخص قد وصل لهذه المرحلة، ما يلي:
- التصالح مع النفس، والرضا عنها، مع حب الذات التي هي سبب في علو شأن الفرد الناضج فكريًا.
- التروي والحكمة قبل أي تصرف أو اتخاذ أي قرار.
- اللباقة في الحديث والمرونة في التكلم، ومحاولة التأقلم مع وجهات نظر الآخرين.
- أي نقض من قبل الآخرين لا يمثل بالنسبة له شيئَا، فهو أمر لا يعنيه إطلاقًا.
- يمكنه التعبير عما يجيش بصدره من مشاعر دون قيد أو شرط.
- يتقبل الفشل، ويعتبره خطوة قد تساعده على الوصول إلى النجاح يومًا ما.
- يكتفي بأقل عدد من الصداقات، ممن يتناسبون معه فكريًا واجتماعيًا.
- عامل الوقت أمر في منتهى الأهمية، لا يمكن أن يضيع دون تحقيق نجاحات.
- يحترم من حوله مهما كان قدرهم، ولا يفرض رأيه على الآخرين يترك لكل منهم حريته الشخصية.
- يواجه مخاوفه بكل قوة، ولا يهاب شيئًا.
- لا يشكو كثيرًا، ولا يتألم إلا إذا وصل إلى آخر مراحل التعب.
- لديه روح المثابرة والمبادرة أيضًا، حيث يبادر دائمًا بما يرى أنه هادف ومفيد.
- يفضل العمل على متع الحياة، يمنح الناحية العملية أغلب وقته وحياته.
- يدرك جيدًا أن فكرة السعادة هي قرار يمكن أن يتخذه الشخص بنفسه، وأن الحالة النفسية والصحية ما هي إلا مسئولية الفرد ذاته.
شاهد أيضًا: أفضل كُتب تطوير الذات
هل هناك مرحلة عمرية للنضج الفكري؟
لقد أشار بعض العلماء والباحثين إلى أن النضج الفكري يمكن أن يصل إليه الشخص بعد تخطي عمر الثلاثين، ولكن البعض الآخر يرى أنه ليس هنام سن معين للنضج الفكري، حيث أن الأمر يتعلق بالدماغ، التي تشتمل على نوعين من الخلايا والأنسجة، احداهما رمادية والأخرى بيضاء، في مرحلة الطفولة تأخذ المادة الرمادية حيزًا أكبر بكثير من المادة البيضاء، مما يجعل الدماغ في طريقها للاستعداد للنضج الفكري.
أما مع تخطي مرحلة الطفولة تبدأ المادة البيضاء في غزو الدماغ والتغلب شيئا فشيئًا على المادة الرمادية، لكي تصل بالدماغ لحالة النضج والاكتمال، مما يزيد من كفاءة العقل والقدرة على التعامل مع الأمور بشكل أكثر نضوجًا، الأمر الذي يستمر إلى ما بعد الثلاثين من العمر حيث اكتمال المادة البيضاء وتقلص المادة الرمادية بشكل نهائي، وقتها يستطيع الفرد الحكم على الأشياء، واتخاذ القرار الصائب، والتفكير بشكل أكثر منطقية.
ومن ثم لا يمكن أن نطلق على من هم دون الثلاثين أو ما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين ناضجين فكريًا، هذا على الرغم من عدم الوصول علميًا لسن محدد للنضج الفكري، ولكن هناك اعتقاد راسخ يقول انه ليس هناك أي علاقة ما بين النضج الفكري والعمر، فهناك بعض الأشخاص ممن يبلغون مرحلة النضج الفكري في وقت مبكر للغاية من العمر، والعكس يظل الكثير يتصرفون تصرف المراهقين على الرغم من تقدمهم في السن، لذا من الصعب تحديد سن معين للوصول لمرحلة النضج الفكري، فهي مسألة نسبية تختلف ما بين الأشخاص وبعضها.
النضج الفكري أمر لابد من السعي إليه
تعلم الشخص كيف يعمل بجدية ويحب بإخلاص أمر يحوله من شخص تافه إلى شخص يتسم بالنضج الفكري، إذ لابد أن تنبع الرغبة في النضوج الفكري من داخل الشخص ذاته، ويبدأ بكل ما يملك في السعي إليها، من خلال نظرته للموضوع بعمق، والتفكير فيما يعود عليه بالإيجاب من جراء نضوجه واتزانه الفكري.
فإن الوصول لتلك المرحلة التي اعتبرها في نظري أنها أخطر وأهم وأعمق مراحل الحياة بالنسبة للفرد، في مضمونها ليست صعبة، ولكن يمكن تحقيقها والوصول إليها بسهولة بمجرد توافر الرغبة الداخلية لدي الفرد للوصول إليها، فإن النضج والاكتمال يكون عبارة عن رغبة داخلية أن يصبح الفرد أفضل أمام نفسه وأمام المجتمع المحيط به.
شاهد أيضًا: ما هو “الذكاء العاطفي” وكيف تكون متميزًا فيه عن غيرك ؟
بهذا متابعينا نكون قد تعرفنا على النضج الفكري وكيفية الوصول إليه بأسهل الطرق، كما تعرفنا أيضًا على أهمية الوصول لتلك المرحلة التي تجعل الشخص فرد ذو أهمية في المجتمع، وموضع اهتمام وتقدير واحترام من قبل الآخرين، لابد أن نسعى لأن نكون ناضجين فكريًا، مما يزيد من إقبالنا على الحياة، وافادة من حولنا بالكثير من الإيجابيات التي لا شك أنها السبيل الوحيد للنهوض بالمجتمع والوصول به إلى بر الأمان.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية