يسمى زواج المسيار بزواج “الإيثار”، وقد انتشر هذا الزواج في الدول العربية في الفترة الأخيرة، وكذلك انتشر داخل الدول الإسلامية، ويعني أن يعقد الرجل المسلم على امرأة مسلمة عقدا شرعيًا مستوفى الأركان والشروط، مع تنازل الزوجة عن النفقة والمسكن.
ولقد أباح طائفة من أهل السنة والجماعة هذا الزواج وكرهه آخرون مثل الشيخ القرضاوي والشيخ عبد العزيز بن باز، ولقد ساعد على انتشاره وسائل الإعلام وأوساط المجتمع من خلال النقاش والانتقاد أو التشكيك والدفاع عن إباحيته، بينما يرى مجمع البحوث مشروعية هذا الزواج المسيار.
تعريف زواج المسيار
يعرف الزواج المسيار في اللغة العربية بأنه الزيارة السريعة، ويطلق على من يقوم بالزيارة السريعة ولا يطيل البقاء عند من يزورهم، ويرى الفقهاء المعاصرون بأنه زواج شرعي مكتمل الأركان والشروط، وله أحد شكلين، إما وجوب النفقة والمسكن أو إسقاطهما، كما يسقط معهما العدل في المبيت بين الزوجات، وذلك لأن الزوجة تتنازل عن حقوقها ومساواتها مع الزوجة الأخرى في المبيت.
نشأة زواج المسيار
من المعروف أن زواج المسيار ليس من القدم، ولكنه مصطلح حديث، ولقد عرف هذا الزواج منذ سنوات قليلة لأول مرة في منطقة القصيم داخل المملكة العربية السعودية، بعد ذلك انتشر في المنطقة الوسطى.
وكان السبب الرئيسي من انتشاره هو تزويج النسوة اللاتي لم يتزوجن أو بمعنى آخر فاتهن قطار الزواج أو كثرة المطلقات التي فشلن في زواجهن السابق.
ويرى الدكتور يوسف القرضاوي أن زواج المسيار ليس بالمسمى الجديد، ولكنه معروف منذ القدم، ووصفه بأنه يعني ذهاب الرجل إلى بيت المرأة ولا تنتقل المرأة إلى بيت الرجل.
كما يرى الدكتور إبراهيم الخضري أنه عرف قديمًا في المملكة العربية السعودية تحديدًا في منطقة نجد “الضحوية “، وهو أن يقوم الرجل بالعقد على امرأة ولا يأتي إليها إلا وقت الضحى، وعرف هذا الأمر منذ 50 سنة تقريبًا، كما عرفت كتب الفقه زواج مشابه لزواج المسيار سمي “بالنهاريات”، وهو اشتراط أحد الزوجين بأن تكون علاقة الزوج بزوجته في النهار فقط، وذلك ليبيت الرجل عند زوجته الأولى في الليل، أي أنه يشبه زواج المسيار بشكل كبير جدًا.
موقف الفقهاء المعاصرين من زواج المسيار
اختلفت آراء الفقهاء المعاصرين حول الزواج المسيار، وذلك اعتمادًا على تقديرهم للمصالح والمفاسد الناتجة عن هذا النوع من الزواج، بالإضافة إلى مدى تحقيقه لمقاصد الشريعة الإسلامية لعقد النكاح، وانقسمت الآراء إلى ثلاثة آراء كما يلي:
- المجيزون: وهم من يرون أن العقد الذي تحققت كل أركانه وشروطه فلا يوجد مانع من إباحيته، ولا يوجد سبب لحرمته أو مانع، وذلك لأنه يحقق مصالح الأزواج الذين لا يستطيعون تكاليف النكاح ولا تمكنهم ظروفهم المادية من الزواج العادي على الرغم من أن الزواج العادي أفضل منه وأقرب إلى الشريعة الإسلامية.
- المانعون: وهم من يرون أن الزواج المسيار صحيح لأن أركانه وشروطه مكتملة لكنه يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية من حيث تشريع الزواج في تحقيق السكن والمودة والمقاصد السامية.
- المجيزون مع الكراهة: و هذه الطائفة أجازوا زواج المسيار ولكنهم رأوا أنه مكروه لأنه يقلل من كرامه المراة و يمتهنها.
ويرى الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية الأسبق أن زواج المسيار المستوفي الأركان والشروط الشرعية مباح شرعًا ولا يحمل معنى امتهان كرامة المرأة أو الرجل.
ويري علي جمعة أن مجمع البحوث التابع للأزهر قد أجاز زواج المسيار لوجود الشهود والإشهار والولي، وأن المرأة وافقت عليه، ولهذا يعد هذا الزواج صحيح وتنتج عنه كل آثار الزواج الشرعي ما عدا ما تنازلت عنه المرأة.
شروط زواج المسيار
يرى الشيخ علي جمعة أن زواج المسيار دليل على سعة الشرع الشريف وأنه يساعد على تلبية احتياجات النفس البشرية باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمنة والأمكنة، وذلك بوضع الحلول الشرعية التي تمنع النفس من الوقوع في الحرق أو الحرام أو المساءلة الاجتماعية.
كما أنه دليل على مرونة الفقه الإسلامي وأنه قادر على أن يواجه التغيرات الاجتماعية مع وضع الحلول المناسبة لها، ومع هذا فإنه يجوز للحاكم أن يمنع زواج المسيار إذا رأى في ذلك مصلحة وأن استمراره مفسدة تهدد الأمن العام، كأن يطلبه الناس ويتركون الزواج الأصلي أو إذا نتج عنه أضرار اجتماعية.
تنازل الزوجة عن حقها في المبيت
يرى مفتى الجمهورية الأسبق علي جمعة أنه يجوز للمرأة أن تتنازل عن حقها في المساواة مع غيرها من الزوجات في المبيت، ودليله على ذلك أن أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها تنازلت عن ليلتها لعائشة، كما يجوز لها أن تتنازل عن مهرها أو نفقاتها لأن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل ” وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا”، أي أنه يجوز للمرأة أن ترجع فيما تنازلت عنه في أي وقت تشاء.
وبهذا يتضح أن زواج المسيار حلال شرعًا ولا شيء فيه، ولقد وضح الدكتور أحمد ممدوح مدير إدارة البحوث الشرعية وأمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية بأن الزواج المسيار يتضمن اتفاق الطرفين على الزواج بالتراضي واكتمال شروط عقد الزواج، ولكن يجوز للزوجة أن تعفي زوجها من المبيت والنفقة، وذلك لأن كل منهما يعيش في بلدة بعيدة عن الآخر.
كما يرى أن هذا الزواج مباح ولا شيء فيه، ويحق للمرأة أن ترجع في هذا الاتفاق وتطلب المبيت والنفقة، وذلك لأن تلك الحقوق متجددة، كما أن الاتفاق عليها ليس إتفاقًا دائمًا.
شاهد أيضًا: نصائح هامة .. لاتلتفت لكلام الناس ولا تلقي لهم بال!!
فيم يتشابه الزواج المسيار مع الزواج العرفي؟
يتشابه الزواج العرفي مع زواج المسيار في عدة أمور منها ما يلي:
- العقد في النوعين مستوفى لكل الأركان والشروط التى اتفق عليها الفقهاء والعلماء، وهذه الشروط نفسها موجودة في النكاح الشرعي وهي الإيجاب والقبول والشهود والولي.
- كِلا النوعين ينتج عنه إباحة المتعة بين الزوجين، وكذلك إثبات التوارث والنسب بينهما، وينتج عنه حرمات مثل التي تترتب على الزواج العادي.
- كِلا النوعين متشابه في العديد من الأسباب التي ساعدت على ظهورهما بهذا الشكل مثل كثرة العنوسة والمطلقات وغلاء المهور وكذلك رفض الزوجة الأولى لزواج زوجها مرة أخرى مع رغبة الرجل في المتعة بأكثر من زوجة وخوفه علي كيان أسرته الأولى وما إلى ذلك من الأسباب.
- كِلا النوعين يتميز بالسرية عن عائلة الزوج.
ما هي أوجه الاختلاف بين الزواج العرفي وزواج المسيار؟
أما عن أوجه الاختلاف فإنهما يختلفان في النقاط الاتية:
- يقوم الزوج بتوثيق زواج المسيار في الدوائر الحكومية، بينما العرفي لا يوثق أبدًا.
- تنتج عن الزواج العرفي كل آثار الزواج الشرعية مثل النفقة والمبيت، ولكن في زواج المسيار يسقط حق النفقة والمبيت عن الزوج.
ومما سبق نرى أن زواج المسيار قد اتفق أهل العلم على إباحيته لأنه عقد مستوفي الشروط والأركان، كما أنه يحمل نفس الآثار التي يترتب عليها الزواج العادي، كما أنه لا يحمل في طياته أي امتهان لكرامة كل من المرأة أو الرجل، وأنه يساعد على منع الفواحش وتلبية احتياجات الرجل والمرأة.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية