أتخذ الشعر الجاهلي مكانة عالية بين الآداب علي مر العصور حتي يومنا هذا، ويرى العديد من نقاد الآدب العربي أنه لازال هو الأفضل حتي الآن، حيث كان الشعر قديماً لدى العرب بمثابة لغة يستخدمونها للتعبير عن عواطفهم واحاسيسهم، فكان يظهرون الجمال عن طريق هذه الكلمات مما يجعل المتلقي والكاتب يشعران بالإعجاب والارتياح، ومن خلال ذلك عرفوا قيمة الشعر حيث جعل لهم شأن كبير وتخليد لذكراهم حتي يومنا هذا، ويعتبر الشعر الجاهلي هو من أقدم الآداب التي وصلت إلينا، ويرى بعض المؤخرون بأن هناك جزء كبير منه لم يصل إلينا فهناك الكثير من المحاولات الشعرية القديمة لم يتبقى منها سوى القليل مقارنتاً بالمحاولات الشعرية الأولي.
شعراء العصر الجاهلي
نظراً لم تتميز به المنطقة العربية من جمال الطبيعة فكانت لهذه الطبيعة أثر واضح في تكوين الشخصية العربية في الجاهلية، كان الشاعر يمتاز بالأنتماء الشديد لقبيلته وأرضه وكان شديد العصبية لهم لذلك عند نشوب الحروب بين القبائل كان يتسابق الشعراء بالتنافس فيما بينهما في معركة الفصاحة والبيان، لذلك تميز هذا العصر بكثرة الشعراء حتي أصبح بمثابة نهضة شعرية في التاريخ للدرجة التي جعلت المؤرخون يعجزون عن حصر جميع الشعراء في هذا العصر، وكان الشعراء يختلفون عن بعضهم في مدى انتشارهم وانتشار شعرهم وشهرتهم بين القبائل، لذلك كانت القبائل تتنافس عن أكثرهم ضَمن للشعراء وأكثرهم موهبة.
ونظراً لانتشار الشعر والشعراء في العصر الجاهلي جعل النقٌاد يواجهون صعوبة كبيرة في تقسيم هؤلاء الشعراء، ولكن حاولوا تقسيمهم إلي طبقات، فبعضهم جعل الاسم والشهرة اساس للتقسيم، والبعض الأخر جعل معاني الكلمات والاساليب إحدى طرق التقسيم، والأخر جعل أساس التقسيم بناءاً علي الأغراض الشعرية أو الناحية الاجتماعية، كانت الديانات أيضا اساس للتقسيم فبعد النقٌاد قاموا بتقسيم الشعراء علي اساس الديانة الذي اعتنقوها، وهناك بعض الاسس الأخرى لذلك متابعي موقعنا موقع كشافك سوف نستعرض أهم شعراء العصر الجاهلي في النقاط التالية.
امرؤ القيس
هو جندح بن حجر بن الحارث الكندي، والذي اشتهر بأسم امرؤ القيس ويعتبر واحد من أشهر شعراء العرب في العصر الجاهلي، لقُب بالعديد من الألقاب مثل “الملك الضليل”، ونشأ في “قبيلة كندة”، وهي أسرة ملكية مثل أسرتي الغساسنة والمناذرة، كانت قبيلته تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية غرب مدينة حضرموت، كان والده سيد من أسياد بني أسد، ولكن اشتهر عنه بأنه كان يحب اللهو والسكر حتي تم قتله علي يد بني أسد ومن هنا قال امرؤ القيس مقولة الشهيرة ” ضيعني أبي صغيراً، وحملني دمه كبيراً”.
وبعد هذه المقولة تيقن الناس بأنه سوف يثار لأبيه وهو مع فعله حيث ذهب إلي قيصر الروم يطلب منه مساعدته في أستعاده ملك أبيه من بني أسد، ولكن قيصر الروم رفض وقام “بتسميم جلدة”، وهنا أختلف النقٌاد كثيراً ومنهم من ذكر بأن بعض المقربين من امرؤ القيس ذهب لقيصر الروم وذكر له بأن القيس كان علي تواصل مع أبنتك، وبعض الروايات تذكر أن معاوني قيصر الروم نصحوا بعدم مساعدة العرب لأنهم سوف يغدرون بك بعدما يظفرون بما يريدون.
أشتهر شعر امرؤ القيس بالغزل ووصف الاشياء حيث كان يقوم بوصف النساء والفرس والصيد بالكلمات الرائعة، وكانت ألفاظه جزلة وموجزة، وحياة الترفه الذي كان يعيشها في شبابه طبعت علي شعره بالإضافة إلي التعبيرات التي كانت تدل علي مدى ارتباطه بأرضه وقومه، وبالتالي يرى النقاد بأنه من أفصح شعراء الجاهلية، ويعتبر هو أول من ذكر الأطلال والتغني بالمحبوبة، ذُكر أيضاً بأنه أول من استخدم الاستعارات في شعره، لذلك لم يصل أي شعار إلي ما توصل إليه امرؤ القيس في الغزل والوصف.
طرف بن العبد
هو طرفة بن العبد بن سفيان البكري، كانت حياته موزعة بين ثلاث وهم المرأة والفروسية والخمر، بالإضافة إلي معلقة والذي اعتبرها النقاد واحدة من أهم معلقات العصر الجاهلي، حيث كانت تدور حول آرائه في الحياة والشعر الإنساني وبراعة التشبيه، وهو ذات نسب عالي بين العرب حيث كان أبوة وجدة شاعران وخاله كان “المتلمس” وجميعهم كانوا شعراء، بعدما توفي والدة تولي أعمامه رعايته ولكن لم يحسنوا إليه وضيعوا حقوقه وحقوق والدته.
عرف عن طرف بن العبد حبه للهو والسكر وفعله لبعض الأشياء المنافية مما جعل قومه يقومون بطرده من القبيلة، وبعدما رحل عنهم كانت حياته تتميز بالتنقل حتي ذهب إلي أطرف شبه الجزيرة العربية، وهنا عينه الملك عمر بن هند نديم له.
زهير بن أبي سلمة
هو زهير بن ربيعة، من مضر ينتمي لقبيلة مزينة لقبه قومه “بأبي سلمي”، كانت عائلته تتميز بوجود الشعراء بها مثل أبوة وخاله وأولاده، لذلك كانت لهذه البيئة الشعرية أحد أهم الأسباب في تكوين شخصيته الشاعرية، وتميز زهير بالحكمة وسدادة الرأي مما جعله يشتهر بين العرب أنه أشعر شعراء العرب، حكمته كانت كافية لتهيئته في الاشتراك في المعارك الحربية مثل الحرب التي اندلعت بين داعس والغبراء، واشتهر عنه بأنه يأخذ من الكلام ما هو خير ويترك حواشيه، وبسبب كثرة مدح الناس لشعره جعلته يتطرق إلي تهذيب شعرة حتي أصبح صاحب إحدى المعلقات المشهورة.
عمرو بن كلثوم
لقب بـ “أبو الأسد” عمرو بن كلثوم التغلبي، من قبيلة تغلب، فقد نشأ في بيت ذات حسب وجاه، لذلك بعد موت والده أصبح عمرو بن كلثوم سيد قومه وهو في عمر السادسة عشر، وكان عمرو من شعراء الجاهلية الموهبين وعاش لفترة طويلة، تميز شعره بالمبالغة في الفخر للدرجة التي جعلت شعره من هذا النوع لم يكتب مثله في الجاهلية، بالإضافة أن شعره كان يمتاز بالأسلوب السلس والارتجال، وهو يمتلك المعلقة السابعة التي تستحوذ علي شهرة كبيرة والتي تعتبر واحدة من أجمل معلقات شعراء العصر الجاهلي وتم تنظيمها بناءاً علي الخلافات التي كانت بينه وبين عمرو بن هند.
الحارث بن حلزة
لقبه أبر عبيدة الحارث بن حلزة بن مكروه، قبيلته تقع في العراق وهو سيد من اسياد قبيلته، عرف أنه شاعر رائع وخبير في قول الشعر تم تنظيم المعلقة الخاصة به عندما قام عمرو بن هند بجمع قبيلة بني تغلب وقبيلة بني بكر بعد حرب البسوس لفض النزاع بينهم، وهنا قام الحارث من وراء حجاب يلقي قصيدته وقالها من وراء حجاب لأنه كان مصاب بالبرص وكان الملك لا يحب أن يرى أحد به سوء، ومن خلال القصيدة قام الحارس باستدراج الملك حتي قام بالحكم لصالح قومه.
عنتر بن شداد
هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، قام الناس بإطلاق لقب “عنتر الفلحاء” عليه، وكان من نجد وأمه كانت أمرأه حبشية، لذلك لم يعترف به أهل قبيلته، وبالتالي قام والدة بنفيه حيث كانت من طبيعة العرب في الجاهلية لا يقبلون ممن ولد من أمه أو بالأصح من لم يعرف له أب ، ولكن لم يستمر النفي وعدم الاعتراف به حيث قام والده بعدما كبر باستدعائه والاعتراف به أمام القبيلة الشيء الذي غير حياته، وكان عنترة من الشعراء الفرسان ولكن رغم شدة بطشة فكان طيب القلب لا يحب الظلم، واشتهرت قصة حبه لأبنة عمة “عبلة بنت مالك” والذي ذكرها كثيراً في شعره وذكرت الروايات بأنه تزوجها بعد عناء كبير، وهي القصة المعروفة لدى عدد كبير من الناس.
لبيد بن ربيعة
لقبه لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، عاش في قبيلة مضر وكان من شعراء البدو الذين عرف عنهم الشجاعة، ويقال بأنه أدرك الإسلام وأسلم، وقبل اسلامه ذكر في شعره الكثير من المواقف والأغراض المختلفة، ولكن بعدما أعتنق الإسلام هجر الشعر، وعاش المتبقي من حياته في مدينة الكوفة في العراق حتي مات عام 41 هجرياً، ويعتبر واحد من شعراء المعلقات في الجاهلية، كان بارع في الرثاء وتصوير العواطف بأسلوبه المميز وخاصة العواطف الحزينة فكان يستطيع تصويرها بشكل موثر بدرجة كبيرة، عرف عند النقاد بأنه من أفضل شعراء الجاهلية والإسلام.
الأعشى الأكبر
هو أبو بصير ميمون بن قيس البكري، يقال بأنه كان ضعيف البصر الأمر الذي جعل الناس يلقبونه بالأعشى، نشأ فقيراً في قرية تسمي اليمامة، عرف عنه اللهو وشرب الخمر والمقامرة، وبسبب فقره عمل علي كيفية جني الأموال من شعره فقام بمدح الملوك والأمراء وهؤلئك الذين يملكون أمولاً، وبالتالي جعل الناس يتقربون إليه بشكل كبير والمنافسة علي التودد له حتي يقوم بمدحهم ورفع شأنهم في شعره، لذلك أشتهر شعه بالمدح، بالإضافة أنه كان يتغزل ويوصف الخمر في قصائده وتعتبر قصيدة اللامية من أشهر قصائده والتي تعتبر من المعلقات.
عبيد بن الأبرص
هو عبيد بن الأبرص بن عوف بن الأسدي، نشأ في قبيلة مضر، وكان يوصف بالعديد من الصفحات الحسنة حيث عرف عند قومه بذكائه وحكمته، الأمر الذي جعل له شأن كبير بين قومه، ومن الصفات التي عرف بها المروءة والشجاعة والدهاء، قال عبيد بن الأبرص الشعر في الملك الكندي حيث كان من المقربين له، قتل عبيد علي يد المنذر بن ماء السماء، حيث كان ذات مواقف غريبة فكان يجعل يوماً للنعيم ويوماً للبؤس وفي يوم النعيم يختار أحداً ويعطي له الكثير من المال وفي يوم البؤس يقال من كان يمر أمامه في ذلك اليوم يقوم بقتله ولسوء حظ عبيد هو من كان مروره في ذلك اليوم.
النابغة الذبياني
هو أبو أمامة زياد بن معاوية، وهو من “قبيلة ذبيان”، بعض الروايات تحكي بأنه كان يلقب بالنابغة، ولكن أختلف البعض في ذلك اللقب، وقد يرجع هذا اللقب بسبب تقدير العرب لهؤلئك الذين يتصفون بالصفات الذاتية وليست الصفات الوراثية، نشأ وسط بيئة صحراوية بالقرب من ضواحي نجد، وهو الأمر الذي كان له أثر كبير في تكوين شخصيته، واتسامه بالعديد من الصفات القيادية حيث كان يقود قومه ويرشدهم في الحروب والمعارك بكل حكمة ودهاء، وهو من شعراء المعلقات ومعلقته تعتبر من أشهر اعتذارياته.
اتسم الشعر الجاهلي بالآدب الرفيعة وهو من الشعر العريق الذي يدل علي جمال التذوق الفني في هذه الفترة، ويتميز بأنه كامل الصياغة ومدلولات هذا الشعر تدل علي مدى جمال وعظمة اللغة العربية، ويخلو الشعر من أي أخطاء فالألفاظ تكون في مكانها الصحيح والعبارات كافيه وتؤدي معناها بشكل يجعل القارئ أو السامع يشعر بمدى اتقان الشاعر في صدق التعبير، الشعر الجاهلي جعل لهذه البيئة تصوير رائع، اتقن الشاعر الجاهلي بشكل كبير في وصف ومدح الأشخاص والاشياء، اضاف الشعراء الكثير من المواضيع في القصيدة بالإضافة إلي الموسيقي، وجعل القصيدة تتسم بفخامة التركيب وصعوبة المعاني.
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية